برنامج تأمين المركبات
بجوار المخاضة تماما، على الرابية حيث ينتهي الطريق، تنتصب عربتان مسيجتان بسياج متين من اللبن، وتحيطهما أشجار حور سامقة". هنا ينسج الكاتب القرغيزي حكايته بمعجم خاص يأتي به الروائي منسجما مع بيئته، فترتفع أصوات المناجل والسنابل والعربات والخيول وأشجار الصفصاف والبيادر ليرسم لنا تلك المزارع الغامضة الشبيهة بما ورد في لوحات الهولندي فان كوخ. والحق أن جنكيز إيتماتوف لم يكن بعيدا عن الرسم، حيث افتتح الرواية على تأمل الراوي الرسام في لوحته الريفية الناصعة التي لم يعرضها من قبل ويأخذ في وصف تفاصيلها، لتكون مسرحا للأحداث فيما بعد "ها أنذا أقف مرة أخرى أمام اللوحة الصغيرة في إطارها المتواضع.. (.. ) في عمق اللوحة: جانب من سماء خريفية باهتة. الريح تطارد سحبا بلقاء عجولة فوق سلسلة جبلية بعيدة. وفي مقدمة اللوحة: سهب شيخ أحمر، ودرب أسود لم يجف بعد، بعد مطر قريب العهد. على جانبي الطريق تزدحم شجيرات صحراوية يابسة محطمة، وعلى امتداد آثار عجلات العربات تمتد آثار أقدام مسافرين، كلما ابتعدا خفت آثارهما، بينما المسافرون كأنهما سيخرجان من إطار اللوحة إذا ما قاما بخطوة أخرى". إن هذه الافتتاحية التي وضعها صاحب "المعلم" يجعلنا أمام فضاء القحط والجمود والغياب والرحيل، بل الفناء إن أردنا الذهاب في التأويل أكثر من خطر الخطوة الأخيرة للرجلين، لكن في قلب ذلك العدم والبشاعة المترتبة عن الحرب يشعل الروائي فتيل حكاية للحياة والجمال، حكاية "جميلة". "